فصل: فَصْل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ:

مَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِيجَابٍ وَهُوَ زَوَّجْتُك، أَوْ أَنْكَحْتُك إلَى آخِرِهِ، (وَقَبُولٍ بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْت أَوْ نَكَحْت) إلَى آخِرِهِ (أَوْ قَبِلْت نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا) أَوْ هَذَا النِّكَاحَ، وَالنِّكَاحُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِنْكَاحِ لِيُوَافِقَ الْإِيجَابَ، (وَيَصِحُّ تَقْدِيمُ لَفْظِ الزَّوْجِ عَلَى) لَفْظِ (الْوَلِيِّ)، فِي تَزَوَّجْت وَنَكَحْت وَكَذَا قَبِلْت، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي مَبْحَثِ التَّوْكِيلِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ التَّقَدُّمِ، كَالتَّأَخُّرِ (وَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ (إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ)؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ، وَرَدَ بِهِمَا فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِمَا، فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ أَوْ الْإِحْلَالِ (وَيَصِحُّ)، بِمَعْنَى اللَّفْظَيْنِ (بِالْعَجَمِيَّةِ)، وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَاقِدُ الْعَرَبِيَّةَ (فِي الْأَصَحِّ) اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، وَالثَّانِي لَا اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، وَالثَّانِي لَا اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ الْوَارِدِ، فَمَنْ لَمْ يُحْسِنْهُ يَصْبِرْ إلَى أَنْ يَتَعَلَّمَهُ، أَوْ يُوَكِّلَ، وَالثَّالِثُ: أَحْسَنُهُ لَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا صَحَّ لِعَجْزِهِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَبَعْضُهُمْ، بِالثَّانِي وَالْمُرَادُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا فَهِمَ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَلَامَ الْآخَرِ فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَأَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِمَعْنَاهُ، فَفِي صِحَّةٍ هُنَا بِنَاءً عَلَى الصِّحَّةِ هُنَاكَ وَجْهَانِ، (لَا بِكِنَايَةٍ) نَحْوُ أَحْلَلْتُك ابْنَتِي، فَلَا يَصِحُّ بِهَا النِّكَاحُ (قَطْعًا) بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَالشُّهُودُ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ.
(وَلَوْ قَالَ) الْوَلِيُّ (زَوَّجْتُك) إلَى آخِرِهِ (فَقَالَ) الزَّوْجُ (قَبِلْت) مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ (لَمْ يَنْعَقِدْ) بِذَلِكَ النِّكَاحُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِانْتِفَاءِ التَّصْرِيحِ فِي الْقَبُولِ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ، وَنِيَّتُهُ لَا تُفِيدُ، وَفِي قَوْلٍ يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ لِانْصِرَافِ الْقَبُولِ مَا أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي. (وَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (زَوِّجْنِي) بِنْتَك إلَى آخِرِهِ (فَقَالَ) الْوَلِيُّ (زَوَّجْتُك) إلَى آخِرِهِ، (أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ تَزَوَّجَهَا) أَيْ بِنْتِي إلَخْ (فَقَالَ) الزَّوْجُ (تَزَوَّجْت) إلَى آخِرِهِ (صَحَّ) النِّكَاحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ الدَّالِ عَلَى الرِّضَا، وَفِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ قَدْ يَذْكُرُ فِيهِ، لِاسْتِبَانَةِ الرَّغْبَةِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِخَطَرِهِ عَلَى أَنَّهُ حَكَى فِيهِ الْخِلَافَ أَيْضًا , (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) أَيْ النِّكَاحِ كَأَنْ يَقُولَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَقَدْ زَوَّجْتُك إلَى آخِرِهِ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى مِنْهُ لِاخْتِصَاصِهِ بِوَجْهِ الِاحْتِيَاطِ، (وَلَوْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَقَالَ) لِجَلِيسِهِ (إنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا) إلَى آخِرِهِ فَقَبِلَ (أَوْ قَالَ) لَهُ (إنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلُقَتْ) أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا (وَاعْتَدَّتْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا) فَقَبِلَ وَبَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَدَّرَ، وَإِنْ الْبِنْتُ أَذِنَتْ لِابْنَتِهَا فِي تَزْوِيجِهَا (فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ) أَيْ النِّكَاحِ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ، بِالتَّعْلِيقِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ ظَانًّا حَيَاتَهُ، فَبَانَ مَيِّتًا حِين الْبَيْعِ، أَوْ التَّزْوِيجِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِجَزْمِ الصِّيغَةِ هُنَاكَ (وَلَا) يَصِحُّ (تَوْقِيتُهُ) كَأَنْ يَنْكِحَ إلَى شَهْرٍ أَوْ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ لِلنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ الْمُؤَقَّتُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ دُونَ التَّوَالُدِ، وَغَيْرُ مِنْ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (نِكَاحُ الشِّغَارِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ (وَهُوَ زَوَّجْتُكهَا) أَيْ بِنْتِي (عَلَى أَنْ تَزَوَّجَنِي بِنْتَك وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيَقْبَلُ) ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْت بِنْتَك، وَزَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى مَا ذَكَرْت وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ، الْمُحْتَمَلِ، لِأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي، فَيُرْجَعُ إلَيْهِ وَالْمَعْنَى فِي الْبُطْلَانِ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ حَيْثُ جَعَلَ مَوْرِدَ النِّكَاحِ وَصَدَاقَ الْأُخْرَى، وَقِيلَ التَّعْلِيقُ وَقِيلَ الْخُلُوُّ عَنْ الْمَهْرِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ شِغَارًا مِنْ قَوْلِهِمْ شُغِرَ الْبَلَدُ عَنْ السُّلْطَانِ إذَا خَلَا عَنْهُ (فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْبُضْعَ صَدَاقًا) بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ، (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) فِي النِّكَاحَيْنِ لِانْتِفَاءِ التَّشْرِيكِ الْمَذْكُورِ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي بُطْلَانُهُمَا لِوُجُودِ التَّعْلِيقِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ، وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ (وَلَوْ سَمَّيَا مَالًا مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا) كَأَنْ قِيلَ وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَأَلْفٌ صَدَاقُ الْأُخْرَى، (بَطَلَ) نِكَاحُ كُلٍّ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ التَّشْرِيكِ الْمَذْكُورِ وَالثَّانِي يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ الْمَهْرِ.
(وَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ (إلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ)، لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ بَاطِلٌ» وَالْمَعْنَى فِي اشْتِرَاطِهِمَا فِي الِاحْتِيَاطِ لِلْأَبْضَاعِ، وَصِيَانَةِ الْأَنْكِحَةِ عَنْ الْجُحُودِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: بِحَضْرَةٍ (وَشَرْطُهُمَا حُرِّيَّةٌ وَذُكُورَةٌ وَعَدَالَةٌ وَسَمْعٌ وَبَصَرٌ)، فَلَا يَصِحُّ بِحَضْرَةِ مَنْ انْتَفَى فِيهِ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ، (وَفِي الْأَعْمَى وَجْهٌ) أَنَّهُ يَصِحُّ بِحَضْرَتِهِ، وَفِي الصِّحَّةِ بِحُضُورِ الْأَخْرَسِ، وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ قَبُولِهَا وَيَجْرِيَانِ فِي ذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ، وَلَوْ عَقَدَ بِخُنْثَيَيْنِ فَبَانَا ذَكَرَيْنِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ بِمَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ يَضْبِطُ اللَّفْظَ فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ إلَى الْحَاكِمِ، وَلَا يَصِحُّ بِالْمُغَفَّلِ الَّذِي لَا يَضْبِطُ بِخِلَافِ مَنْ يَحْفَظُ، وَيَنْسَى عَنْ قَرِيبٍ (وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ) أَيْ النِّكَاحِ (بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ بِابْنَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ ابْنِ أَحَدِهِمَا وَابْنِ الْآخَرِ، (وَعَدُوَّيْهِمَا) أَيْ كَذَلِكَ لِثُبُوتِ النِّكَاحِ بِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ وَالثَّانِي لَا لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ هَذَا النِّكَاحِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالِانْعِقَادِ فِي الثَّانِيَةِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَدَاوَةَ قَدْ تَزُولُ، وَيَنْعَقِدُ بِابْنَيْهِ مَعَ ابْنَيْهَا، وَبِعَدُوَّيْهِ مَعَ عَدُوَّيْهَا قَطْعًا لِإِمْكَانِ الْمَبَاتِ شِقَّيْهِ بِهِمْ.
(وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ) وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بِهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، (عَلَى الصَّحِيحِ)؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَجْرِي بَيْنَ أَوْسَاطِ النَّاسِ، وَالْعَوَامِّ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ لَاحْتَاجُوا إلَى مَعْرِفَتِهَا، لِيُحْضِرُوا مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا فَيَطُولُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ، وَيَشُقُّ، وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِمَا لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِهِ بِهِمَا، (لَا مَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ)، وَهُوَ مَنْ لَا يُعْرَفُ إسْلَامُهُ، وَحُرِّيَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَلِطُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ، وَالْأَحْرَارُ بِالْأَرِقَّاءِ وَلَا غَالِبَ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ لِسُهُولَةِ الْوُقُوفِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ أَيْضًا بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ، وَالْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ حَتَّى يَعْرِفَ حَالَهُ فِيهِمَا بَاطِنًا، (وَلَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَبَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِفَوَاتِ الْعَدَالَةِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي هُوَ صَحِيحٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ اكْتِفَاءً بِالسِّتْرِ يَوْمَئِذٍ، (وَإِنَّمَا يُبَيِّنُ) فِسْقَهُ (بِبَيِّنَةٍ) تَقُومُ بِهِ (أَوْ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ) عَلَيْهِ بِأَنْ نَسِيَاهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَتَذَكَّرَاهُ بَعْدَهُ، أَوْ لَمْ يَعْرِفَا عَيْنَ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَرَفَاهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِمَا بِفِسْقِهِ، أَوْ عَرَفَا عَيْنَهُ وَفِسْقَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ الْإِمَامُ: تَبَيَّنَ الْبُطْلَانُ بِلَا خِلَافٍ لِانْتِفَاءِ السِّتْرِ عَلَيْهِمَا يَوْمَئِذٍ، وَعَلَيْهِمَا التَّعْوِيلُ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ،
(وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ كُنَّا فَاسِقَيْنِ) عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُمَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ، (وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ) أَيْ بِالْفِسْقِ (الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) لِاعْتِرَافِهِ بِمَا يَتَبَيَّنُ بِهِ بُطْلَانُ نِكَاحِهِ (وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ) الْمُسَمَّى (إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا (فَكُلُّهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا فِي الْمَهْرِ، وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ لَا تَنْقُصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ لَوْ نَكَحَهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالرَّضَاعِ، وَقِيلَ فُرْقَةُ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَلَوْ اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ بِالْفِسْقِ، وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ، فَالْأَصَحُّ قَبُولُ قَوْلِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهِ، وَهِيَ تُرِيدُ رَفْعَهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ دُخُولٍ، فَلَا مَهْرَ لِإِنْكَارِهَا أَوْ بَعْدَهُ، فَلَهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرُ الْمِثْلِ. (وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ) بِالنِّكَاحِ بِقَوْلِهَا كَأَنْ قَالَتْ رَضِيت بِهِ أَوْ أَذِنْت فِيهِ، (حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا) بِأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ احْتِيَاطًا لِيُؤْمَنَ إنْكَارُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا لَيْسَ مِنْ نَفْسِ النِّكَاحِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْإِشْهَادُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ.

. فَصْلٌ:

لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِإِذْنٍ مِنْ وَلِيِّهَا وَلَا دُونَ إذْنِهِ (وَلَا غَيْرَهَا بِوَكَالَةٍ) عَنْ الْوَلِيِّ وَلَا بِوِلَايَةٍ، (وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحًا لِأَحَدٍ) بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ قَطْعًا لَهَا عَنْ هَذَا الْبَابِ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فِيهِ لِمَا قُصِدَ مِنْهَا مِنْ الْحَيَاءِ، وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، وَتَقَدَّمَ حَدِيثٌ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ»، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا»، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيَّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (وَالْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ) بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، (يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ) دُونَ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ النِّكَاحِ، (لَا الْحَدَّ) لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُصَحِّحُهُ نَعَمْ يُعَزَّرُ مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ.
(وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ)، وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ كَانَ مُجْبَرًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى إنْشَاءٍ بِالنِّكَاحِ، حِينَئِذٍ (وَإِلَّا). أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِإِنْشَاءِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِهِ، بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُجْبَرٍ (فَلَا) يُقْبَلُ إقْرَارٌ بِهِ عَلَيْهَا لِانْتِفَاءِ قُدْرَتِهِ عَلَى إنْشَائِهِ، بِدُونِ رِضَاهَا , (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِالنِّكَاحِ) لِمَنْ صَدَقَهَا النِّكَاحُ حَقَّ الزَّوْجَيْنِ، فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدِيمُ، لَا يُقْبَلُ إذَا كَانَا بَلَدِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ عَلَيْهِمَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْغَرِيبَيْنِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ قِيلَ: يَكْفِي إطْلَاقُ الْإِقْرَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تُفَصِّلَ، فَتَقُولَ: زَوَّجَنِي مِنْهُ وَلِيٌّ بِحُضُورِ عَدْلَيْنِ، وَرِضَايَ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا , (وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ الْبِكْرِ صَغِيرَةً، وَكَبِيرَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا) لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ، (وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا) أَيْ الْكَبِيرَةِ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا، (وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ثَيِّبٍ إلَّا بِإِذْنِهَا فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَبْلُغَ)؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا إذْنَ لَهَا (وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، (وَسَوَاءٌ)، فِيمَا ذُكِرَ فِي الثَّيِّبِ (زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ) كَالزِّنَا (وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهَا بِلَا وَطْءٍ كَسَقْطَةٍ) وَأُصْبُعٍ وَحِدَةِ حَيْضٍ، (فِي الْأَصَحِّ) فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالْبِكْرِ لِبَقَائِهَا عَلَى حَيَائِهَا حَيْثُ لَمْ تُمَارِسْ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهَا لِزَوَالِ الْعُذْرَةِ، وَالْمَوْطُوءَةُ فِي الدُّبُرِ كَالْبِكْرِ فِي الْأَصَحِّ، (وَمَنْ عَلَى حَاشِيَةِ النَّسَبِ كَأَخٍ وَعَمٍّ)، وَابْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا يُزَوِّجُ صَغِيرَةً بِحَالٍ)، أَيْ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوِّجُ بِالْإِذْنِ، وَلَا إذْنَ لِلصَّغِيرَةِ، (وَتَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ) لِلْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ، (وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ) الْبَالِغَةِ إذَا اُسْتُؤْذِنَتْ (سُكُوتُهَا فِي الْأَصَحِّ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا»، وَالثَّانِي لَا يَكْفِي لِمَنْ عَلَى حَاشِيَةِ النَّسَبِ كَالثَّيِّبِ، (وَالْمُعْتِقُ) وَعَصَبَتُهُ (وَالسُّلْطَانُ كَالْأَخِ) فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ.
(وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ) بِالتَّزْوِيجِ (أَبٌ ثُمَّ جَدٌّ) أَبُو الْأَبِ (ثُمَّ أَبُوهُ)، وَإِنْ عَلَا إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وِلَادَةً وَعُصُوبَةً فَقُدِّمُوا عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا عُصُوبَةٌ وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ، (ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُهُ) أَيْ ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ عَمٌّ)، لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ) مِنْ الْقَرَابَةِ (كَالْإِرْثِ وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ فِي الْأَظْهَرِ) كَالْإِرْثِ لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ وَالشَّفَقَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ إخْوَةَ الْأُمِّ لَا تُفِيدُ وِلَايَةَ النِّكَاحِ، فَلَا تُرَجَّحُ بِخِلَافِهَا فِي الْإِرْثِ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي ابْنَيْهِمَا وَفِي الْعَمَّيْنِ وَابْنَيْهِمَا، (وَلَا يُزَوَّجُ ابْنٌ بِبُنُوَّةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ فِي النَّسَبِ، فَلَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، (فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ) لَهَا (أَوْ مُعْتِقًا) لَهَا (أَوْ قَاضِيًا زَوَّجَ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ، وَلَا تَضُرُّهُ الْبُنُوَّةُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٍ، (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَسِيبٌ زَوَّجَ الْمُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ) بِحَقِّ الْوَلَاءِ (كَالْإِرْثِ) أَيْ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي إرْثِهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ.
(وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتَقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً) لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَتْ وِلَايَةُ الْمَرْأَةِ لِلنِّكَاحِ، اسْتَتْبَعَتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا الْوِلَايَةَ عَلَى عَتِيقِهَا فَيُزَوِّجُهَا أَبُو الْمُعْتَقَةِ ثُمَّ جَدُّهَا عَلَى تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا يُزَوِّجُهَا ابْنُ الْمُعْتِقَةِ، وَيُعْتَبَرُ فِي تَزْوِيجِهَا رِضَاهَا (وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتَقَةِ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهَا لَا وِلَايَةَ لَهَا وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا، وَالْعَصَبَةُ إنَّمَا تُزَوِّجُ لِإِدْلَائِهِ بِهَا فَلَا أَقَلَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا، فَإِنْ امْتَنَعَتْ نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهَا فِي الْإِذْنِ، وَزَوَّجَ وَلِيُّهَا (فَإِذَا مَاتَتْ زَوَّجَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ)، مِنْ عَصَبَاتِهَا فَيُقَدَّمُ ابْنُهَا عَلَى أَبِيهَا، (فَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ السُّلْطَانُ) بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ (وَكَذَا يُزَوِّجُ إذَا عَضَلَ الْقَرِيبُ)، مِنْ النَّسَبِ (وَالْمُعْتِقُ)؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ وَفَّاهُ الْحَاكِمُ، وَهَلْ تَزْوِيجُهُ بِالْوِلَايَةِ أَوْ النِّيَابَةِ عَنْ الْوَلِيِّ وَجْهَانِ، (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْفَضْلُ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ إلَى كُفْءٍ وَامْتَنَعَ)، الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ، وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ لِنَقْصِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَمَحَّضُ حَقًّا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا دَعَتْ إلَى غَيْرِ كُفْءٍ، فَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ عَضْلًا؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَضْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيُزَوِّجَ بِأَنْ يَمْتَنِعَ الْوَلِيُّ مِنْ التَّزْوِيجِ بَيْنَ يَدَيْهِ بَعْدَ أَمْرِهِ بِهِ، وَالْمَرْأَةُ وَالْخَاطِبُ حَاضِرَانِ، أَوْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ لِتَعَزُّزٍ أَوْ تَوَارٍ بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ، فَإِنَّهُ إنْ زَوَّجَ فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ وَإِلَّا فَعَاضِلٌ فَلَا مَعْنَى لِلْبَيِّنَةِ عِنْدَ حُضُورِهِ، (وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ) الْمُجْبِرُ كُفُؤًا، (غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا، وَالثَّانِي لَا إعْفَافًا لَهَا، وَهُوَ قَوِيٌّ أَمَّا غَيْرُ الْمُجْبِرِ، فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ عَيَّنَتْهُ جَزْمًا.

. فَصْل:

لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ لِنَقْصِهِ (وَصَبِيٍّ) لِسَلْبِ عِبَارَتِهِ (وَمَجْنُونٍ) أُطْبِقَ جُنُونُهُ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ أَوْ تَقَطَّعَ، كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَغْلِيبًا لِزَمَنِ الْجُنُونِ، فَيَزَوَّجُ الْأَبْعَدُ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ دُونَ إفَاقَتِهِ وَالْأَشْبَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْوِلَايَةَ كَالْإِغْمَاءِ، فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ وَلَوْ قَصُرَتْ نَوْبَةُ الْإِفَاقَةِ جِدًّا فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، (وَمُخْتَلُّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ) أَصْلِيٍّ أَوْ عَارِضٍ لِعَجْزِهِ عَنْ الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَزْوَاجِ وَمَعْرِفَةِ الْكُفْءِ مِنْهُمْ، وَفِي مَعْنَاهُ مَنْ شَغَلَهُ عَنْ ذَلِكَ الْأَسْقَامُ، وَالْآلَامُ (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) بِأَنْ بَذَرَ فِي مَالِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ)؛ لِأَنَّهُ لِنَقْصِهِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَلِي فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ كَامِلُ النَّظَرِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَالَهُ فَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَزُولَ وِلَايَتُهُ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي وَصَحَّحَ فِي الْمَطْلَبِ كَالذَّخَائِرِ زَوَالَهَا أَمَّا مَنْ بَلَغَ مُفْسِدًا لِدِينِهِ، فَاسْتَمَرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ صُوَرِهِ مَسْأَلَةُ الْفَاسِقِ الْآتِيَةُ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ يَلِي لِكَمَالِ نَظَرِهِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ لَا لِنَقْصٍ فِيهِ، (وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ)، فَيُزَوِّجُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، فَإِذَا زَالَتْ عَادَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَقْرَبِ (وَالْإِغْمَاءُ إنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا)، كَأَنْ حَصَلَ بَهِيجَانِ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ، (اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ قَرِيبُ الزَّوَالِ كَالنَّوْمِ (وَإِنْ كَانَ يَدُومُ أَيَّامًا)، فَأَقَلَّ أَيْ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، (اُنْتُظِرَ) الْإِفَاقَةُ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ قَرِيبَةٌ (وَقِيلَ) الْوِلَايَةُ (لِلْأَبْعَدِ) كَمَا فِي الْجُنُونِ (وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَهُ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الْأَكِفَّاءِ، وَمَعْرِفَتُهَا بِالسَّمَاعِ، وَقِيلَ يَقْدَحُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الصِّغَرَ فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ.
(وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُجْبِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَسَقَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِغَيْرِهِ، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَوْ أَسَرَّهُ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ فِي الشَّهَادَةِ فَيَمْنَعُ الْوِلَايَةَ كَالرِّقِّ فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَلِي؛ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ التَّزْوِيجِ فِي عَصْرِ الْأَوَّلِينَ، وَلِأَنَّ أَمْرَ النِّكَاحِ خَطِيرٌ فَالِاهْتِمَامُ بِشَأْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الشَّخْصُ فَاسِقًا أَقْرَبُ مِنْ تَرْكِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا يُفْتِي أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا سِيَّمَا الخراسانيون، وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْأَوَّلِ، وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُجْبِرَ يَلِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ بِعَكْسِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُجْبِرَ قَدْ يَضَعُهَا عِنْدَ فَاسِقٍ مِثْلِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى إذْنِهَا فَتَنْظُرُ لِنَفْسِهَا، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ فَسَقَ بِغَيْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَلِيَ أَوْ بِشُرْبِهِ، فَلَا يَلِي لِاضْطِرَابِ نَظَرِهِ وَغَلَبَةِ السُّكْرِ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ أَسَرَّ فِسْقَهُ وَلِيَ وَأَعْلَنَ بِهِ فَلَا يَلِي، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَوْ سُلِبَ الْوِلَايَةُ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ وَلِيَ، وَإِلَّا فَلَا وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِهِ وَهَا هُنَا أُمُورٌ أَحَدُهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، إذَا لَمْ يَنْعَزِلْ بِالْفِسْقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، وَقِيلَ لَا كَغَيْرِهِ فَيُزَوِّجُهُنَّ مَنْ دُونَهُ مِنْ الْحُكَّامِ، الثَّانِي الْفِسْقُ يَتَحَقَّقُ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ، أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ كَالْعَضْلِ مَرَّاتٍ أَقَلُّهَا فِيمَا حَكَى بَعْضُهُمْ ثَلَاثٌ، الثَّالِثُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا فَإِنَّ الْمَسْتُورَ يَلِي بِلَا خِلَافٍ، كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَأَصْحَابُ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ يَلُونَ، كَمَا رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ بَعْدَ حِكَايَةِ وَجْهَيْنِ.
(وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ) إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ مَحْظُورًا فِي دِينِهِ فَإِنْ ارْتَكَبَهُ فَلَا، كَمَا فِي الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا أَمْ مُسْلِمًا فِي الذِّمِّيَّةِ وَلَا يَلِي الْكَافِرُ الْمُسْلِمَةَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَةَ بَلْ يَلِي الْأَبْعَدُ الْمُسْلِمُ فِي الْأُولَى وَالْكَافِرُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ فُقِدَ فَالْحَاكِمُ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَهَلْ يَلِي الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّةَ، وَعَكْسُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْإِرْثِ أَيْ فَيَلِي وَيُمْكِنُ أَنْ يُمْنَعَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلَلِ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً مَنْشَأُ الْعَدَاوَةِ وَسُقُوطُ النَّظَرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمُشِيرِ إلَى الْبِنَاءِ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ أَوْ مِلَلٌ كَمَا بَنَاهُ الْمُتَوَلِّي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ عُمُومِ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَلِي مُرْتَدَّةً وَلَا غَيْرَهَا (وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) مِنْ وَلِيٍّ، وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ، أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلٍ عَنْ أَحَدِهِمَا، (أَوْ الزَّوْجِيَّةِ) بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا، (يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكَحُ»
(وَلَا تُنْقَلُ الْوِلَايَةُ) إلَى الْأَبْعَدِ (فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ (فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ لَا الْأَبْعَدُ) وَقِيلَ يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى انْتِقَالِ الْوِلَايَةِ إلَيْهِ (قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ) بَعْدَ التَّوْكِيلِ (فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ)؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ مَحْضٌ فَكَأَنَّ الْعَاقِدَ الْمُوَكِّلُ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِإِحْرَامِ الْمُوَكِّلِ، وَالْأَصَحُّ لَا فَيُزَوِّجُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَلَوْ أَحْرَمَ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي جَازَ لِخُلَفَائِهِ أَنْ يَعْقِدُوا الْأَنْكِحَةَ، كَمَا ذَكَرَهُ الْخَفَّافُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ بِالْوِلَايَةِ لَا بِالْوَكَالَةِ (وَلَوْ غَابَ الْأَقْرَبُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ) نِيَابَةً عَنْهُ لِبَقَائِهِ عَلَى الْوِلَايَةِ، وَلَا يُسْتَأْذَنُ لِطُولِ مَسَافَتِهِ، (وَدُونَهُمَا لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِقِصَرِ مَسَافَتِهِ، وَالثَّانِي يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ وَلَا يَنْتَظِرُ إذْنَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفُوتُ الْكُفْءُ الرَّاغِبُ بِالتَّأْخِيرِ فَتَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَوْ ادَّعَتْ غِيبَةَ وَلِيَّهَا، وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ، فَهَلْ يُعَوِّلُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ، وَيُزَوِّجُهَا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ خَبِيرَيْنِ بِهِ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْعُقُودَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا (وَلِلْمُجْبِرِ التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إذْنِهَا) كَمَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ، (تَعْيِينُ الزَّوْجِ فِي الْأَظْهَرِ) وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ شَفَقَةٌ دَاعِيَةٌ إلَى حُسْنِ الِاخْتِيَارِ، وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّ شَفَقَةَ الْوَلِيِّ تَدْعُوهُ إلَى أَنْ لَا يُوَكِّلَ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِحُسْنِ نَظَرِهِ وَاخْتِيَارِهِ،
(وَيَحْتَاطُ الْوَكِيلُ) حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الزَّوْجُ، (فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ) فَإِنْ زَوَّجَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ (وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ)، بِأَنْ كَانَ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مُطْلَقًا، وَأَحَدُهُمَا فِي الثَّيِّبِ (إنْ قَالَتْ لَهُ وَكِّلْ وَكَّلَ وَإِنْ نَهَتْهُ) عَنْ التَّوْكِيلِ (فَلَا) يُوَكِّلُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَوَّجُ بِالْإِذْنِ، وَلَمْ تَأْذَنْ فِي تَزْوِيجِ الْوَكِيلِ بَلْ نَهَتْ عَنْهُ، (وَإِنْ قَالَتْ زَوِّجْنِي) وَسَكَتَتْ عَنْ التَّوْكِيلِ (فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِالْوِلَايَةِ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ إذْنٍ كَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ فَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ كَالْوَكِيلِ (وَلَوْ وَكَّلَ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ) تَوْكِيلُهُ (عَلَى الصَّحِيحِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِنَفْسِهِ حِينَئِذٍ، فَكَيْفَ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ فِيهِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا بِشَرْطِ الْإِذْنِ، فَلَهُ تَفْوِيضُ مَالِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا يُزَوِّجُ الْوَكِيلُ حَتَّى تَأْذَنَ هِيَ لِلْوَلِيِّ، وَلَا يَكْفِي إذْنُهَا لِلْوَكِيلِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَكْفِي وَلَوْ قَالَتْ وَكِّلْ بِتَزْوِيجِي، وَاقْتَصَرَتْ عَلَيْهِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ وَكَذَا التَّزْوِيجُ بِنَفْسِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مَنْعُهُ مِمَّا لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ، فَإِنْ نَهَتْهُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ الْوَلِيَّ وَرَدَّتْ التَّزْوِيجَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فَأَشْبَهَ التَّفْوِيضَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً. (وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ) لِلزَّوْجِ (زَوَّجْتُك بِنْتَ فُلَانٍ) فَيَقْبَلُ (وَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانًا فَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ) فَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ وَنَوَاهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ الْمُشْتَرَطَ حُضُورُهُمْ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ.
(وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرُ) أَيْ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ، (تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ (وَمَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَته) هُوَ مُرَادُ الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَلْزَمُهُ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ التَّوَقَانِ أَوْ بِتَوَقُّعٍ لِشِفَاءٍ عِنْدَ إشَارَةِ الْأَطِبَّاءِ، أَيْ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ فَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ اكْتَفَى فِي الْمَجْنُونَةِ بِالْبُلُوغِ عَنْ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهَا وَاقْتَصَرَ فِي الْمَجْنُونِ عَلَى الْحَاجَةِ الظَّاهِرَةِ لِاسْتِلْزَامِهَا لِلْبُلُوغِ بِخِلَافِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْأَطِبَّاءُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ بَالِغَةٌ مُحْتَاجَةٌ، وَبَالِغٌ ظَاهِرُ الْحَاجَةِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَزْوِيجَهَا يُفِيدُهَا الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ وَتَزْوِيجُهُ يُغْرِمُهُ إيَّاهُمَا، (لَا صَغِيرَةٍ وَصَغِيرٍ) عَاقِلَيْنِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِمَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْمَجْنُونَيْنِ (وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ وَغَيْرُهُ إنْ تَعَيَّنَ) كَأَخٍ وَاحِدٍ أَوْ عَمٍّ وَاحِدٍ (إجَابَةُ مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ) تَحْصِينًا لَهَا (فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَإِخْوَةٍ فَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ)، أَنْ يُزَوِّجَهَا (لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ فِي الْأَصَحِّ) كَيْ لَا يَتَوَاكَلُوا، فَلَا يُعِفُّونَهَا، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ لِلْوِلَايَةِ.
(وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءٌ فِي دَرَجَةٍ) كَإِخْوَةٍ أَوْ أَعْمَامٍ (اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهَهُمْ) بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِشَرَائِطِ النِّكَاحِ، (وَأَسَنَّهُمْ) بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِهِ لِزِيَادِ تَجْرِبَتِهِ، وَكَذَا أَوَرَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ وَأَحْرَصُ عَلَى طَلَبِ الْحِفْظِ (بِرِضَاهُمْ) أَيْ بِرِضَا بَاقِيهِمْ لِتَجْتَمِعَ الْآرَاءُ، وَلَا يَتَشَوَّشَ بَعْضُهُمْ بِاسْتِئْثَارِ الْبَعْضِ، (فَإِنْ تَشَاحُّوا) بِأَنْ لَمْ يَرْضُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَأَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُزَوِّجَ (أَقْرَعَ) بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، (وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ) أَنْ يُزَوِّجَهَا (صَحَّ) تَزْوِيجُهُ (فِي الْأَصَحِّ)، لِلْإِذْنِ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا لِيَكُونَ لِلْقُرْعَةِ فَائِدَةٌ وَأُجِيبَ، بِأَنَّ فَائِدَتَهَا قَطْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ لَا نَفْيُ وِلَايَةِ الْبَعْضِ. (وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ زَيْدًا وَالْآخَرُ عُمَرًا) وَقَدْ أَذِنَتْ لَهُمْ فِي التَّزْوِيجِ وَسَبَقَ أَحَدُ التَّزْوِيجَيْنِ، (فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا (فَهُوَ الصَّحِيحُ) وَالْآخَرُ بَاطِلٌ (وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ فَبَاطِلَانِ) لِتَدَافُعِهِمَا فِي الْمَعِيَّةِ الْمُحَقَّقَةِ أَوْ الْمُحْتَمَلَةِ؛ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِيهَا مَعَ امْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلِتَعَذُّرِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ فِي السَّبْقِ الْمُحْتَمَلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ لَغَا.
(وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ) أَيْ فَهُمَا بَاطِلَانِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) أَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ: يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ وَبَعْضُهُمْ أَبَى تَخْرِيجَهُ وَقَطَعَ بِالْأَوَّلِ، (وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ) بِالْآخَرِ، (وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يُبَيِّنَ)، فَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا، وَلَا لِثَالِثٍ نِكَاحُهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَاهَا أَوْ يَمُوتَا أَوْ يُطَلِّقَ أَحَدُهُمَا وَيَمُوتَ الْآخَرُ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَبَعْضُهُمْ أَجْرَى هُنَا قَوْلَ الْبُطْلَانِ فِيمَا قَبْلَهُ، (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ) عَلَيْهَا (عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَبُولُ إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ حَلَفَتْ) قَالَ الْبَغَوِيُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا أَيْ إنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَ نِكَاحِهِ، وَعَنْ الْقَفَّالِ إذَا حَضَرَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَادَّعَيَا أَيْ مَعًا حَلَفَتْ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً، أَيْ إنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَ نِكَاحِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ، (وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا) بِالسَّبْقِ (ثَبَتَ نِكَاحُهُ) بِإِقْرَارِهَا (وَسَمَاعُ دَعْوَى الْآخَرِ وَتَحْلِيفُهَا لَهُ) أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَ نِكَاحِهِ، (يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَالَ هَذَا لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو، وَهَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو إنْ قُلْنَا نَعَمْ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ (فَنَعَمْ) أَيْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَلَهُ التَّحْلِيفُ رَجَاءَ أَنْ تُقِرَّ فَيُغْرِمَهَا، وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزَّوْجِيَّةُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو، فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى هُنَا لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ أَوْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ، فَحَلَفَ هُوَ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ عَلَى الْأَظْهَرِ، لَا تَغْرَمُ لَهُ شَيْئًا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ، وَحَيْثُ غَرِمَتْ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى شُهُودِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ وَطْءٍ.
(وَلَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ خِطَابَ الْإِنْسَانِ مَعَ نَفْسِهِ لَا يَنْتَظِمُ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ لِلطِّفْلِ وَمِنْهُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ (وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ نَفْسَهُ بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ فِي دَرَجَتِهِ)، إنْ كَانَ (فَإِنْ فَقَدَهُ الْقَاضِي)، وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْأَبْعَدِ (فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَ لَهَا) خَاصًّا (زَوَّجَهُ) إيَّاهَا (مَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ)، كَالسُّلْطَانِ (أَوْ خَلِيفَتِهِ) إنْ كَانَ لَهُ خَلِيفَةٌ أَوْ مُسَاوِيهِ كَخُلَفَاءِ الْقَاضِي (وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ). غَيْرِ الْجَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ (لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا) وَيَتَوَلَّى الْآخَرَ (أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ مَنْزِلَةُ فِعْلِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ خَلِيفَةِ الْقَاضِي لَهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْوِلَايَةِ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ رِعَايَةُ التَّعَدُّدِ فِي صُورَةِ الْعَقْدِ وَقَدْ حَصَلَ.

. فَصْلٌ:

(زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ) الْمُنْفَرِدُ كَالْأَبِ أَوْ الْأَخِ (غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا أَوْ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ) كَإِخْوَةٍ أَوْ أَعْمَامٍ غَيْرِ كُفْءٍ (بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ صَحَّ)، التَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّهَا، وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ، وَقَدْ رَضِيَتْ مَعَهُمْ بِتَرْكِهَا، (وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ بِرِضَاهَا) غَيْرَ كُفْءٍ، (فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ)؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ الْآنَ فِي التَّزْوِيجِ (وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ الْمُسْتَوِينَ (بِغَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاهُمْ) أَيْ رِضَا بَاقِيهِمْ (لَمْ يَصِحَّ) التَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُمْ بِتَرْكِهَا كَالْمَرْأَةِ (وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ وَلَهُمْ الْفَسْخُ)؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَقْتَضِي الْخِيَارَ لَا الْبُطْلَانَ كَمَا فِي عَيْبِ الْبَيْعِ، (وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ) أَوْ ابْنِهِ (بِكْرًا صَغِيرًا أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَاهَا) أَيْ رِضَا الْبَالِغَةِ (فَفِي الْأَظْهَرِ) التَّزْوِيجُ (بَاطِلٌ)؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ كَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ عَلَى خِلَافِهَا بَلْ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ يُحْتَاطُ فِيهِ (وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ وَلِلصَّغِيرَةِ) أَيْضًا (إذَا بَلَغَتْ وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لَيْسَ الْأَوْلَى لَهَا) خَاصًّا (أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ) أَوْ الْقَاضِي (بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ) التَّزْوِيجُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْحَظِّ وَالثَّانِي يَصِحُّ كَمَا فِي الْوَلِيِّ الْخَاصِّ.
(وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ)، أَيْ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهَا لِيُعْتَبَرَ مِثْلُهَا فِي الزَّوْجِ خَمْسَةٌ، (سَلَامَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ)، وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَمَنْ بِهِ بَعْضُهَا كَالْجُنُونِ أَوْ الْجُذَامِ أَوْ الْبَرَصِ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلسَّلِيمَةِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ صُحْبَةَ مَنْ بِهِ، ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ بِهَا عَيْبٌ أَيْضًا، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَيْبَانِ، فَلَا كَفَاءَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا وَمَا بِهِ أَكْثَرُ، فَكَذَلِكَ وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ مَا بِهَا أَكْثَرُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ، مَا لَا يَعَافُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا، وَهِيَ رَتْقَاءُ، أَوْ قَرْنَاءُ، (وَحُرِّيَّةٌ فَالرَّقِيقُ لَيْسَ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ) أَصْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ عَتِيقَةً؛ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ، وَتَتَضَرَّرُ بِأَنَّهُ لَا يُنْفِقُ إلَّا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ، (وَالْعَتِيقُ لَيْسَ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ) بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ وَمَنْ مَسَّ الرِّقُّ أَحَدَ آبَائِهِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ لَمْ يَمَسَّ أَحَدًا مِنْ آبَائِهَا أَوْ مَسَّ أَبًا أَبْعَدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرِّقُّ فِي الْأُمَّهَاتِ مُؤَثِّرًا، وَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهَا الْوَلَاءُ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قَوْلَهُ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ وَصَرَّحَ، بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ: مَنْ وَلَدَتْهُ رَقِيقَةٌ كُفْءٌ لِمَنْ وَلَدَتْهَا عَرَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ (وَنَسَبٌ) كَأَنْ تَنْتَسِبَ إلَى مَنْ تَشْرُفُ بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مُقَابِلِهِ كَالْعَرَبِ فَإِنَّ اللَّهَ فَضَلَّهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، (فَالْعَجَمِيُّ لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ) وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَبِ فَمَنْ أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ، لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ أَبُوهَا عَرَبِيٌّ وَأُمُّهَا عَجَمِيَّةٌ، (وَلَا غَيْرُ قُرَشِيٍّ) مِنْ الْعَرَبِ (قُرَشِيَّةٌ) أَيْ كُفْءُ قُرَشِيَّةٍ لِحَدِيثٍ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا، وَلَا تَقَدَّمُوهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا، (وَلَا غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ)، مِنْ قُرَيْشٍ كُفُؤًا (لَهُمَا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»، وَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَبَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، أَكْفَاءُ، وَغَيْرُ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ أَكِفَّاءُ بَعْضٍ»، كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ , (وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ)، وَالثَّانِي لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَنُونَ بِحِفْظِ الْأَنْسَابِ، وَلَا يُدَوِّنُونَهَا بِخِلَافِ الْعَرَبِ، (وَعِفَّةٍ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ)، وَإِنَّمَا يُكَافِئُهَا عَفِيفٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِالصَّلَاحِ شُهْرَتَهَا، وَالْمُبْتَدِعُ لَيْسَ كُفُؤًا لِلسُّنِّيَّةِ، (وَحِرْفَةٌ فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ، فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ، وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ بَزَّازٍ، وَلَا هُمَا بِنْتَ عَالَمٍ وَقَاضٍ) نُظِرَ الْمُعَرِّفُ فِي ذَلِكَ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ)؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ. وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا تَتَضَرَّرُ هِيَ بِنَفَقَتِهِ، وَبِعَدَمِ إنْفَاقِهِ عَلَى الْوَلَدِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَيَكُونُ بِهِمَا كُفُؤًا لِصَاحِبَةِ الْأُلُوفِ وَالْأَصَحُّ، أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ أَصْنَافٌ غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ وَمُتَوَسِّطٌ، وَكُلُّ صِنْفٍ أَكِفَّاءُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاتِبُ وَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا الْجَمَالُ نَعَمْ يُعْتَبَرُ إسْلَامُ الْآبَاءِ، وَكَثْرَتُهُمْ فِيهِ فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفُؤًا، لِمَنْ لَهَا أَبَوَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ إنَّهُ كُفُؤٌ لَهَا وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا عَشَرَةُ آبَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: إنَّهُ كُفُؤٌ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ الثَّالِثَ لَا يُذْكَرُ فِي التَّعْرِيفِ فَلَا يَلْحَقُ الْعَارُ بِسَبَبِهِ.
(وَ) الْأَصَحُّ (وَإِنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ) فَلَا يُزَوَّجُ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ دَنِيئَةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ، وَلَا حُرَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَبْدٍ عَفِيفٍ، وَلَا عَرَبِيَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَجَمِيٍّ عَفِيفٍ، وَلَا عَفِيفَةٌ رَقِيقَةٌ بِفَاسِقٍ حُرٍّ، لِمَا بِالزَّوْجِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ النَّقْصِ الْمَانِعِ مِنْ الْكَفَاءَةِ، وَلَا يَنْجَبِرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَضِيلَةِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ دَنَاءَةَ نَسَبِهِ تَنْجَبِرُ بِعِفَّتِهِ الظَّاهِرَةِ، وَأَنَّ الْأَمَةَ الْعَرَبِيَّةَ يُقَابِلُهَا الْحُرُّ الْعَجَمِيُّ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالتَّنَقِّي مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ يُعَارِضُهُ الصَّلَاحُ وِفَاقًا وَالْيَسَارُ إنْ اُعْتُبِرَ يُعَارِضُ بِكُلِّ خَصْلَةٍ غَيْرَهُ، (وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً) لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الزِّنَا الْمُشْتَرَطِ فِي جَوَازِ نِكَاحِهَا. (وَكَذَا مَعِيبُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ)؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ فَلَا يَصِحُّ وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ فِي تَزْوِيجِهِ الرَّتْقَاءَ أَوْ الْقَرْنَاءَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ مَالٍ فِي بُضْعٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، (وَيَجُوزُ مَنْ تُكَافِئُهُ بِبَاقِي الْخِصَالِ) كَالنَّسَبِ وَالْحِرْفَةِ، (فِي الْأَصَحِّ)؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُعَيَّرُ بِاسْتِقْرَاضِ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ نَعَمْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِيهِ غِبْطَةٌ.

. فَصْلٌ:

لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ صَغِيرٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ حَاجَتُهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، (وَكَذَا) أَيْ لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ (كَبِيرٌ إلَّا لِحَاجَةٍ) كَأَنْ تَظْهَرَ رَغْبَتُهُ فِي النِّسَاءِ بِدَوَرَانِهِ حَوْلَهُنَّ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ يُتَوَقَّعُ الشِّفَاءُ بِهِ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ، (فَوَاحِدَةٌ) لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا، وَيُزَوِّجُهُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ السُّلْطَانُ دُونَ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَوِلَايَةِ الْمَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ وَغِبْطَةٌ تَظْهَرُ لِلْوَلِيِّ وَيُزَوِّجُهُ الْأَبُ وَالْجَدُّ دُونَ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَانْتِفَاءِ كَمَالِ الشَّفَقَةِ.
(وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ) فِي تَزْوِيجِهَا، (وَلَا تُشْتَرَط الْحَاجَةُ) إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ يُفِيدُهَا الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ وَيَغْرَمُ الْمَجْنُونُ، (وَسَوَاءٌ) فِي جَوَازِ التَّزْوِيجِ (صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ)، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجَ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ، (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَجَدٌّ لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَلِي مَالَهَا لَكِنْ بِمُرَاجَعَةِ أَقَارِبِهَا وُجُوبًا فِي وَجْهٍ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِمَصْلَحَتِهَا وَنَدْبًا فِي آخَرَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَالثَّانِي يُزَوِّجُهَا الْقَرِيبُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ مَقَامَ إذْنِهَا (لِلْحَاجَةِ) كَأَنْ تَظْهَرَ عَلَامَاتُ غَلَبَةِ شَهْوَتِهَا أَوْ يُتَوَقَّعُ الشِّفَاءُ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ، (لَا لِمَصْلَحَةٍ) مِنْ كِفَايَةِ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا، (فِي الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُهُ يُلْحَقُ السُّلْطَانُ بِالْمُجْبِرِ.
(وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) أَيْ تَبْذِيرٍ فِي مَالِهِ (لَا يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ) لِئَلَّا يُفْنِيَ مَالَهُ فِي مُؤْنَةٍ (بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ) بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ وَالْإِذْنِ وَيُعْتَبَرُ فِي نِكَاحِهِ حَاجَتُهُ إلَيْهِ، بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ، وَقِيلَ بِقَوْلِهِ لَا يُرَادُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ تَكْفِي فِي نِكَاحِهِ الْمَصْلَحَةُ (فَإِنْ أَذِنَ لَهُ) الْوَلِيُّ (وَعَيَّنَ امْرَأَةً لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا، وَيَنْكِحُهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ زَادَ) عَلَيْهِ (فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ بِقَدْرِهِ (مِنْ الْمُسَمَّى) الْمُعَيَّنِ وَيَلْغُو الزَّائِدُ، وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ لِلزِّيَادَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ الْقِيَاسُ عَلَى الصِّحَّةِ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْمُسَمَّى وَيَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ (وَلَوْ قَالَ انْكِحْ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا)، فَإِنْ نَكَحَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى، أَوْ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَغَا الزَّائِدُ، وَلَوْ قَالَ أَنْكِحُ فُلَانَةَ بِأَلْفٍ، وَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا فَنَكَحَهَا بِهِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَغَا الزَّائِدُ، (وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ)، فَقَالَ تَزَوَّجْ (فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ) أَيْ الْإِذْنِ وَالثَّانِي يَلْغُو وَإِلَّا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَنْكِحَ شَرِيفَةً يَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَالَهُ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ، (وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَنْ تَلِيقُ بِهِ)، فَإِنْ نَكَحَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ لَغَا الزَّائِدُ، وَإِنْ نَكَحَ الشَّرِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ، وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ لِانْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَالْإِذْنُ لِلسَّفِيهِ لَا يُفِيدُهُ جَوَازُ التَّوْكِيلِ، (فَإِنْ قَبِلَ لَهُ وَلِيُّهُ اُشْتُرِطَ إذْنُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ مَصَالِحِهِ وَعَلَى الْوَلِيِّ رِعَايَتُهَا، فَلَا يَحْتَاجُ فِي فِعْلِهَا إلَى إذْنٍ كَمَا فِي الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ، (وَيَقْبَلُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ) لِمَنْ تَلِيقُ بِهِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَيْهِ (صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ) لِلزِّيَادَةِ (وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِلَا إذْنٍ فَبَاطِلٌ) فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ وَطِئَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الزَّوْجَةُ سَفَهَهُ لِلتَّفْرِيطِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُ (وَقِيلَ) يَلْزَمُهُ (مَهْرُ مِثْلٍ) لِشُبْهَةِ النِّكَاحِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحَدِّ (وَقِيلَ أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ) لِيَتَمَيَّزَ النِّكَاحُ عَنْ السِّفَاحِ (وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ يَصِحُّ نِكَاحُهُ)؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ وَلَهُ ذِمَّةٌ، (وَمُؤَنُ النِّكَاحِ فِي كَسْبِهِ لَا فِيمَا مَعَهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَا فِي يَدِهِ (وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ) لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، (وَبِإِذْنِهِ صَحِيحٌ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّيِّدُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى (وَلَهُ إطْلَاقُ الْإِذْنِ، وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ) مُعَيَّنَةٍ (أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ وَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أَذِنَ فِيهِ) مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ فَإِنْ عَدَلَ بَطَلَ النِّكَاحُ نَعَمْ لَوْ قَدَّرَ لَهُ مَهْرًا فَزَادَ عَلَيْهِ فَالزَّائِدُ فِي ذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بِهِ إذَا عَتَقَ وَلَهُ فِي إطْلَاقِ الْإِذْنِ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَغَيْرِهَا، وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى وَلَوْ طَلَّقَ لَمْ يَنْكِحْ أُخْرَى إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ.
(وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجْبَارٌ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ) صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَفْعَهُ بِالطَّلَاقِ، فَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَهُ وَالثَّانِي لَهُ إجْبَارُهُ كَالْأَمَةِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ قَالَ الْبَغَوِيُّ: أَوْ يُكْرِهَهُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَخَالَفَهُ الْمُتَوَلِّي، وَالثَّالِثُ لَهُ إجْبَارُ الصَّغِيرِ دُونَ الْكَبِيرِ، (وَلَا عَكْسُهُ) أَيْ لَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ إذَا طَلَبَهُ فِي الْأَظْهَرِ لِمَا فِي وُجُوبِهِ مِنْ تَشْوِيشِ مَقَاصِدِ الْمِلْكِ وَفَوَائِدِهِ، وَالثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ حَذَرًا مِنْ وُقُوعِهِ فِي الْفَاحِشَةِ، (وَلَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ) عَلَى النِّكَاحِ، (بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) مِنْ صِغَرٍ وَكِبَرٍ وَبَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَعَقْلٍ وَجُنُونٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَرِدُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَبِهَذَا تُفَارِقُ الْعَبْدَ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهَا فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ وَلَهَا الْخِيَارُ، وَلَوْ تَزْوِيجَهَا بِرَقِيقٍ، وَدَنِيءِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا لَا نَسَبَ لَهَا. (فَإِنْ طَلَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا)؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا، وَيُفَوِّتُ الِاسْتِمْتَاعَ عَلَيْهِ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ، (وَقِيلَ إنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ) مُؤَبَّدًا كَأَنْ تَكُونَ أُخْتَهُ (لَزِمَهُ) إذْ لَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ قَضَاءُ شَهْوَةٍ وَلَا بُدَّ مِنْ إعْفَافِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ إحْدَى أُخْتَيْنِ مَلَكَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَزْوِيجُ الْأُخْرَى قَطْعًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ قَدْ يَزُولُ فَتَتَوَقَّعُ مِنْهُ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ، (وَإِذَا زَوَّجَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ بِالْوِلَايَةِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ رِعَايَةِ الْحَظِّ حَتَّى إنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ، كَمَا تَقَدَّمَ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْ مَجْذُومٍ وَنَحْوِهِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَزْوِيجِ الْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى إجْبَارِهِ (فَيُزَوِّجُ) تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ (مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ) أَيْ الْكِتَابِيَّةَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا كَمَا سَيَأْتِي. (وَفَاسِقٌ وَمُكَاتَبٌ) أَمَتَهُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يُزَوِّجُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَنْ ذَكَرْت؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَلِي الْكَافِرَةَ وَالْفِسْقُ يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ وَالرِّقُّ يَمْنَعُهَا كَمَا تَقَدَّمَ، (وَلَا يُزَوِّجُ وَلِيٌّ عَبْدِ صَبِيٍّ) لِمَا فِيهِ مِنْ انْقِطَاعِ اكْتِسَابِهِ عَنْهُ، (وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ فِي الْأَصَحِّ) اكْتِسَابًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالثَّانِي لَا يُزَوِّجُهَا؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا وَقَدْ تَحْبَلُ فَتَهْلَكُ، وَمَنْ يُزَوِّجُهَا قِيلَ وَلِيُّ الْمَالِ كَالْوَصِيِّ، وَالْقَيِّمِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَلِيُّ النِّكَاحِ الَّذِي يَلِي الْمَالَ، وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ، وَعَبْدُ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ، وَأَمَتُهُمَا كَعَبْدِ الصَّبِيِّ وَأَمَتِهِ، فِيمَا ذُكِرَ وَيَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّفِيهِ فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ.